هذه القصيدة القصة واحدة من إنجازات نجيب الحداد في مجال التجديد في الشعر العربي..
هيفاءُ زيَّنَ خدَّها وردُ الصِّبى
فتمايلت كالغصنِ حركَّهُ الصَّبا
حسناءُ طاهرةٌ كزهرة روضةٍ
ما مَسَّها غيرُ النسائم والنَّدىَ
بيضاءُ يَحْدِقُ شَعرُها بجبينها
فتريكَ عينَ الصبح في وجه الدُّجى
نشأَتْ وحيدة أهلها في قريةٍ
كالزهر ينشأُ زاهياً بين الرُّبى
لم تَدْرِ غيرَ الحقلِ والنَّبْتِ الذي
يزهو عليه ووردِهِ الْغَضِّ الْجَنى
والشمسُ غاربَةٌ تودِّعُها متى
غابتْ وتلْقاها متى لاحَ الضُّحَى
والبدرُ تنتظرُهُ فتحسبُ رسْمَها
يهِ ويحسبُ رسمَهُ فيها بدا
وقفتْ على بابِ الخِباء عشيَّةً
كالشّمس قد وقفتْ على أفقِ الضِّيا
وجَرَى النسيمُ بها يلاعبُ شعْرَها
حيناً فيخفق مثلما خَفَقَ اللِّوا
وإذا بوقْعِ حوافرٍ في قُرْبِها
وفتىً على سَرْجِ الجوادِ قد اسْتَوى
ذو قامةٍ هيفاءَ تُزْرِي بالقنا
ولواحظٍ نجلاءَ تُزْرِي بالظُّبَى
وقد انْتَضَى سيفَ القتالِ وجفنُهُ
أمضى وأفتكُ مقتلاً مما انْتَضَى
وعلى ملابِسِهِ الحليُّ لوامعاً
كالبدرِ في زُهْرِ النجومِ قد انْجَلَى
وافى فحَيَّا باسِماً متلطّفاً
ودَنَا لها مستَسْقياً يشكو الظَّما
فمضتْ فجاءَ تْهُ بكأسٍ وانْثَنَتْ
ترنُو لِطَلْعَتهِ كما ترنُو المَهَى
ترنُو إليه وهْوَ يَشْرَبُ باسماً
حتى ارْتَوَى واللحظُ منها ما ارْتَوَى
يَحْسُو الشَّرابَ وتَحْتَسي من حُسْنِهِ
خَمْراً بها قلبُ الفتاةِ قد اكتوى
حتَّى اكْتَفَى فأَعادَ كأسَ شرابِهِ
مملوءَةً بعد المياهِ من الثَّنا
وَمَضَى فودَّعها وأَوْدَعَ قلبَها
بَدَلاً لِبَرْدِ شرابِها حَرَّ الجَوَى
دَخَلَ الهَوَى قَلباً خَلِيّاً لم يكَدْ
يدري الهَوَى حتى تملَّكَهُ الهوى
فقَضَتْ سوادَ ظلامِها في ظلمةٍ
لليأسِ يوشكُ لا يضيءُ بها الرَّجا
يهفو النَّعاسُ بِجَفْنِها فيردُّهُ
مِمَنْ تملَّكها خيالٌ قد سَرَى
حتَّى إذا انجابَ الظلامُ وأشرقَتْ
شمسُ الضُّحى تزهو على أفقِ السَّما
وافى رسولٌ من حبيبِ فؤادِها
بهديةٍ تُهدَى لربَّاتِ البَها
مرآةُ وجهٍ قدْ تكلَّلَ حَرْفُها
من فضَّةٍ بيضاء زادَتْها صَفا
فَدَنا وقالَ هديَّةٌ من سيّدي
تُهْدَى لسيّدتي وسَلَّمَ وانْثَنَى
كانتْ جزاءً للشَّرابِ ولَيْتَ لم
يكنِ الشَّرابُ ولم يكنْ هذا الجَزَا
فلقد سَبَى قلْبَ الفتاةِ فؤادها
شوقاً إليهِ وليسَ يعلَمُ ما جَرَى
كالقوْس أطلقَ سهمه فجَنَى ولا
لومٌ عليهِ فليسَ يَدري ما جَنى
ترنو إلى مرآتِهِ فتَرى بها
تَذكارَ طلعتِهِ وطلعتها سوا
فتزيدُ بالتَّذكارِ نار غرامِها
وتزيدها نارُ الغرامِ من الضَّنَى
مازَالَ يُذْكِيها الهوى ويُذِبُها
حتَّى غَدَتْ شَبَحاً أرَقَّ من الهَوا
وهَوَتْ على مَهْدِ السَّقامِ عليلةً
تشْكو الذي يبدو وتكتمُ ما اخْتَفَى
حارَ الجميعُ بها فلم يدرُوا لها
داءً تكابِدُهُ ولم يدرُوا الدَّوا
وأقامَ يندبُ والداها حسْرةً
وأسىً وما يُجْدي التحسُّرُ والأسَى
والبنتُ كاتِمَةٌ حقيقةَ دائِها
وتقولُ لا أدرِي فذا حكم القَضَا
حتى إذا بَسَطَ المماتُ جَناحَهُ
من فوقِها ودَنا ينازِعُها البَقا
والنَّزعُ يجذبُ نفسَها من صدرِها
فتردُّهُ عنها الغضاضةُ والصِّبى
وذوو قرابَتِها حوالَيْها وقد
عجزُوا فليسَ سِوَى التأسُّفِ والبُكا
والشَّمسُ قد غابتْ تودِّعُها كما
كانتْ ولكن لا تقول إلى اللقا
سمعتْ بِقُربِ البابِ وقْعَ حوافرٍ
ورأتْ حبيبَ فؤادها منهُ أتى
وافى ولكن بعد ما انْقَطَعَ الرَّجا
ووفَى ولكن حينَ لا يُجدِي الوَفا
ودَنا إليها وهْو لا يدري الذي
أجراهُ سيف لِحاظِهِ فيما مَضَى
وحَنَا عليها وهْوَ يسألُ جازِعاً
ويقولُ كيف أصابها سَهْمُ الرَّدَى
فَرَنَتْ إليه بِمُقْلَةٍ فتَّانَةٍ
وكَسَا اصفرَارَ جبيِنها وَرْدُ الحَيا
وتنهَّدتْ أسفاً وقالتْ إنَّ بي
سَهْمَاً أصابَ القلبَ من عَيْنَي فتى
هذا هو الداءُ الذي أقضي به
حُبّاً وكم من عاشقٍ قبْلي قَضَى
فأجابَ من هذا الفَتى فتناولَتْ
مرآتَهُ بِيَدٍ يصافِحُها الفَنَا
وَرَنَتْ وقالتْ عندما يبدو الضُّحى
وتكونُ روحي فارقتْ هذا الوَرَى
إن شئتَ تعرفُ مَنْ قضيتُ بِحُبِّهِ
فانظرْ إلى المرآةِ تلقاهُ هنا